آخر الأخبار
"ما بين واشطن وصنعاء".. الوساطة العُمانية التي كسرت جمود الأزمة وأنهت استهداف السفن

وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي - أرشيفية
الاربعاء, 07 مايو, 2025 - 02:58 صباحاً
في خطوة دبلوماسية لافتة، تمكنت سلطنة عُمان من التوسط بنجاح بين الولايات المتحدة الأمريكية وجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الجانبين، يشمل وقف الهجمات على السفن الأمريكية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
ويعكس هذا الإنجاز الدور المحوري الذي تلعبه مسقط في تهدئة التوترات الإقليمية، وترسيخ نهجها القائم على الحوار وتغليب الحلول السلمية في مواجهة الأزمات المتصاعدة في المنطقة.
وقد تميزت الوساطة العُمانية بالحكمة والسرية والمرونة، حيث استفادت مسقط من علاقاتها المتوازنة مع جميع الأطراف، وقدرتها على فهم تعقيدات الملف اليمني. وقد أثمرت هذه الجهود عن اتفاق يُرجح أن يكون له تداعيات إيجابية على الأمن البحري، وحرية الملاحة الدولية، وكذلك على المسار السياسي الشامل في اليمن.
الوساطة العُمانية تنجح
وكانت سلطنة عُمان، قد أعلنت أمس الثلاثاء، نجاح جهودها الدبلوماسية في التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة الأمريكية وجماعة "الحوثي"، يقضي بوقف إطلاق النار بين الجانبين، في خطوة لاقت إشادة دولية وإقليمية واسعة لتخفيف التوترات وإيجاد حلول سياسية وسلمية مستدامة للأزم.
وذكر وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي، عبر حسابه بمنصة "إكس"، أن التفاهم جاء بعد مشاورات مكثفة أجرتها السلطنة مع الطرفين خلال الفترة الماضية، بهدف خفض التصعيد وضمان حرية الملاحة البحرية وانسيابية حركة الشحن التجاري الدولي في الممرات الحيوية.
وأشار إلى أن "الطرفين اتفقا على عدم استهداف أحدهما للآخر مستقبلاً، في خطوة تهدف إلى تعزيز الاستقرار في المنطقة وتفادي مزيد من التوترات العسكرية في البحر الأحمر"، وفق البيان.
وأعربت السلطنة عن شكرها للطرفين على "تعاونهما ونهجهما البناء الذي أسهم في تحقيق هذه النتيجة الإيجابية"، مؤكدة تطلعها إلى أن يشكل هذا الاتفاق نقطة انطلاق نحو مزيد من التقدم في الملفات الإقليمية، بما يعزز فرص السلام والازدهار في المنطقة.
ترامب يوقف هجومه على اليمن
وخلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الكندي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن التوصل لاتفاق مع الحوثيين يقضي بتوقفهم عن استهداف السفن في البحر الأحمر مقابل توقف سلاح الجو الأميركي عن مهاجمة الجماعة.
وزعم ترامب أن الولايات المتحدة لم تتوصل إلى اتفاق مع الحوثيين، لكنهم طلبوا وقف القصف، و"قالوا لنا: رجاء، توقفوا عن قصفنا. ونحن سنتوقف من جانبنا عن استهداف السفن".
وأكد ترامب أنه سيكون هناك "إعلان كبير للغاية" قبل زيارته المرتقبة إلى منطقة الشرق الأوسط، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل بشأن الإعلان أو الجهة المعنية به.
بدورها أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن الاتفاق مع الحوثيين يتعلق فقط بوقف هجماتهم على السفن في البحر الأحمر، وأنه "إذا التزم الحوثيون بعدم استهداف السفن فسنلتزم بعدم استهدافهم".
كما نقلت شبكة "سي إن إن" الأمريكية عن مسؤول بوزارة الدفاع (البنتاغون) أن الجيش الأمريكي تلقى تعليمات بوقف الضربات ضد الحوثيين.
وأوضحت الشبكة أن "وقف إطلاق النار جاء نتيجة محادثات بين واشنطن والحوثيين بوساطة عُمانية الأسبوع الماضي بقيادة المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف".
الهدنة بطلب أمريكي
وخلافا لما تحدث به ترامب أكد المتحدث الرسمي باسم جماعة أنصار الله (الحوثيين)، محمد عبدالسلام، أن الموقف الأمريكي الأخير تجاه اليمن جاء بناءً على طلب أمريكي عبر وساطة سلطنة عمان، وليس بمبادرة من الجماعة.
وأوضح عبدالسلام في تصريحات لوسائل إعلام تابعة للجماعة، أن "إسرائيل" شعرت بخيبة أمل كبيرة بعد أن حاولت الولايات المتحدة النأي بنفسها عن التصعيد في اليمن.
وأشار عبدالسلام إلى أن الاتفاق الأخير لوقف إطلاق النار، الذي يشمل عدم استهداف السفن الأمريكية، جاء نتيجة لطلبات أمريكية نقلها الأشقاء في سلطنة عمان، دون أن تقدم الجماعة أي طلبات بالمقابل.
إشادات عربية ب"الجهود العمانية"
وفي أول ردود الفعل على الجهود الدبلوماسية التي قادتها سلطنة عمان في هذا السياق، رحبت دول عربية بنجاح هذه الجهود، وعدتها خطوة تمهد الطريق لحلول دائمة لقضايا المنطقة، تعزز السلام والاستقرار للجميع.
قطر
وأعربت دولة قطر عن ترحيبها بالاتفاق وأكدت وزارة الخارجية القطرية في بيان لها، أن الدوحة تأمل أن يسهم هذا الاتفاق في ضمان حرية الملاحة وانسيابية حركة الشحن التجاري الدولي، مشددة على أهمية هذه الخطوة في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
وجددت الوزارة دعم دولة قطر الكامل لنهج الدبلوماسية والحوار كوسيلة لحل كافة القضايا الإقليمية، انطلاقاً من إيمانها الراسخ بأهمية توطيد الأمن والسلم وتعزيز التنمية على المستويين الإقليمي والدولي.
كما أعربت الخارجية القطرية عن تقديرها للدور البناء الذي قامت به سلطنة عمان في التوصل إلى هذا الاتفاق، مؤكدة أن مثل هذه الجهود تسهم في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
الكويت
من جانبها، رحبت دولة الكويت بالجهود الدبلوماسية الناجحة التي قادتها سلطنة عُمان الشقيقة، والتي أسفرت عن اتفاق لوقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والسلطات المعنية في صنعاء.
وأعربت وزارة الخارجية الكويتية في بيان لها عن أملها في أن يُسهم هذا الاتفاق في تعزيز استقرار المنطقة، وضمان حرية الملاحة البحرية وسلامة حركة الشحن التجاري الدولي.
كما أكدت الوزارة مجدداً دعم الكويت الثابت للحلول الدبلوماسية والحوار كوسيلةٍ لحل النزاعات على المستويين الإقليمي والدولي، مشيدةً بالدور الإيجابي لسلطنة عُمان ومساعيها الحميدة في تعزيز السلم والأمن.
العراق
بدوره، أعربت وزارة الخارجية العراقية عن ترحيبها بالجهود الدبلوماسية التي بذلتها سلطنة عُمان، التي أسفرت عن التوصل إلى هذا الاتفاق بين واشطن في صنعاء.
وأكدت الوزارة في بيانها دعم العراق للمساعي الرامية إلى تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة، مشددة على أهمية الحوار كوسيلة فعّالة لحل النزاعات، مشيرة إلى أن العراق لم يدّخر جهدًا في دعم المسارات السلمية الرامية إلى إنهاء الصراع في اليمن، انطلاقًا من موقفه الثابت الداعم للحلول السياسية والحوار.
ودعت الوزارة إلى ضرورة تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة، وتقريب وجهات النظر، وبناء جسور الثقة بين الأطراف المختلفة، بما يسهم في تحقيق التفاهم المشترك، كما شددت على أهمية تكثيف الجهود الإقليمية والدولية لتعزيز الأمن والاستقرار، وتجنيب المنطقة مزيدًا من التوترات.
الأردن
في السياق، رحبت المملكة الأردنية الهاشمية بالجهود الدبلوماسية الناجحة التي قادتها سلطنة عُمان، بشأن اليمن وأمريكا، وأكدت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية في بيانٍ لها أن هذا الاتفاق يُعد خطوة مهمة نحو تخفيف التوتر في المنطقة، وحماية حرية الملاحة البحرية وضمان استمرارية التجارة الدولية.
كما أعرب السفير سفيان القضاة، الناطق الرسمي باسم الوزارة، عن ترحيب الأردن بهذا الاتفاق، مشيراً إلى أنه يُسهم في خفض التصعيد ويفتح الباب أمام الحلول السلمية للنزاعات، مما يعزز الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
وأكد القضاة دعم الأردن المستمر لكافة الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تسوية الخلافات في المنطقة، سعياً لتحقيق سلام شامل وعادل يُبنى على الحوار والتفاهم.
ردود فعل
وتعليقا على نجاح الدبلوماسية العُمانية وإثبات حضورها كوسيط نزيه وفاعل في المنطقة وفي الأزمة اليمينة على وجه الخوص، حيث تمكنت من تحقيق اختراق كبير بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، مما وضع حداً لموجة التصعيد التي هددت أمن الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
صوت الحكمة في زمن العواصف
وتعليقا على ذلك، علق الكاتب العماني حسين الشرقي على هذا الإنجاز بالقول: "في صمت الكبار، وتحت ظلال الحكمة، برزت سلطنة عُمان كجسرٍ من نور بين ضفّتين متنازعتين... لا تميل مع الريح ولا تساوم على المبدأ، بل تقف على أرضية الحياد النبيل، حاملة رسالة السلام في زمن تكسّرت فيه الموازين."
وأضاف: "بين تعقيدات السياسة الإقليمية وصخب العواصم، نسجت مسقط خيوط الوساطة بصبرٍ العارفين، فجمعت بين العدوين، لا طمعًا في مصلحة، بل إيمانًا بأن الكلمة الطيبة أقوى من الرصاص."
جهود عُمان الإنسانية
من جانبه، أكد الصحفي أحمد ماهر أن الوساطة العُمانية جاءت في لحظة حرجة لإنقاذ البنية التحتية المدنية المتهالكة في اليمن، مشيراً إلى أن "عُمان تدخلت في الوقت الأخير للمحافظة على ما تبقى من منشآت مدنية... هي لم تنقذ الحوثيين، بل حمت دماء اليمنيين ومؤسساتهم من الدمار!"
واستعرض ماهر بعض الأضرار الجسيمة التي لحقت باليمن جراء التصعيد الأخير، قائلاً: "دُمّر مطار صنعاء الدولي وثلاث طابرات مدنية، وميناء الحديدة، ومصنعا باجل وعمران للأسمنت، إضافة إلى منشآت كهربائية ومنازل مدنية... العشرات من الأبرياء سقطوا، ومئات الجرحى."
لماذا تدخلت عُمان؟
أوضح ماهر أن الهدف الأمريكي من الضربات لم يكن إسقاط الحوثيين، بل "إيقاف هجماتهم على السفن"، مشيراً إلى أن الوساطة العُمانية نجحت في تحقيق هذا الهدف دون مزيد من التصعيد. كما لفت إلى أن "الحوثيين لا يستطيعون الصمود أمام القوة الأمريكية أو الإسرائيلية... لكن الصراع كلف الشعب اليمني ثمناً باهظاً."
الوساطة الناجحة لعُمان تؤكد مرة أخرى، أن الدبلوماسية الهادئة والقائمة على الحياد يمكن أن تحقق ما تعجز عنه القوة العسكرية. ففي وقت تشهد فيه المنطقة استقطاباً حاداً، تظل مسقط منصة للحوار وجسراً للتواصل بين الأطراف المتنازعة، مما يعزز دورها كفاعل رئيسي في صناعة الاستقرار الإقليمي.
يُتوقع أن يُفتح هذا الاتفاق الباب أمام مزيد من الحلول السياسية، ليس فقط لأزمة اليمن، ولكن أيضاً لتعزيز أمن الملاحة الدولية في الممرات البحرية الحيوية، وبما بمهد الطريق نحو وقف دائم للصراع في المنطقة.
