آخر الأخبار
الربيع في اليمن.. أمطار على أرض عطشى للسلام
كلما عاد موسم الربيع في اليمن انتعشت أرواحنا، وأزهرت من جديد صور أيام كانت بسيطة للغاية في ظاهرها، لكنها عميقة الأثر في أرواحنا.
صحيح أن تلك الأيام لم تكن خالية من مشقة الحياة، لكن بساطتها كانت تمنح كل لحظة فيها معنى خالصا.
ذلك أن الربيع في بلد جميل كاليمن لا يعني تحولا موسميا بقدر ما هو حدث بهيج يترقبه اليمنيون بشوق، فهو يأتي حاملا معه فيضا من الذكريات الجميلة، ودفء الحنين إلى أيام خوالي كانت القلوب فيها موحدة، واليمن الكبير مصدر إلهام وعنوان فخر نتباهى به أمام العوالم.
ها هي الطبيعة في بلدنا تتأهب لكي تستعيد سلطتها، وتفرض حضورها فوق ركام الأحداث، وكأن الربيع في لحظة تضامن قرر أن يتدخل لتخفيف وطأة المعاناة عن شعبنا المنهك الأزمات.
فمنذ أيام، بدأت تصلنا صور الأمطار وهي تهطل على محافظات عدة، ومعها شعرت بانفراجة في صدري؛ وكأن شيئا في داخلي تفتّح مع تلك الزخات، أو لعلني وجدت في هذا الموسم عزاء لمآتمنا الكثيرة، واستراحة قصيرة من تعب طويل.
ربما لهذا السبب تحديدا، ينتابني مع كل موسم أمطار شغف كبير لتصفح كل ما تقع عليه عيناي من الصور والمقاطع الحية. أطيل النظر بلهفة إلى قطرات المطر المتساقطة، وإلى حبات الثلج، فيهتز لها قلبي، وينشرح صدري، ومعها يتأكد في أعماقي بأننا ننتمي حقا إلى واحد من أجمل بلدان العالم، وأزداد إيمانا بأن هذا البلد المعطاء يستحق أن يحظى بفرصة حقيقية للاستراحة من وطأة غبار الصراعات المريرة التي طال أمدها، وأرهقت كاهله، وأعاقته عن اللحاق بركب الأمم المتقدمة، وعطَّلت قدراته الكامنة كبلد يمتلك في طياته كل المقومات وأدوات النهوض والازدهار.
أقف مع تلك الصور فيأخذني الحنين غصبا إلى البدايات، وتحديدا سنوات الطفولة والصبا، وتلك الأيام الذهبية التي لا تُنسى عندما كنا نركض تحت المطر ونغتسل بزخاته، فيما تتسع عيوننا البريئة دهشة مع كل تغيير يطرأ على لون الأرض، وكأننا نشهد ولادة جديدة لبلادنا الساحرة.
قد لا يكون من السهل الحديث عن الربيع في ظل الأزمات التي تعصف باليمن، لكن من المهم أن يعرف العالم أن هناك يمنا آخر لا يُرى في العناوين العريضة، يمن الفلاحين والمزارعين والمطر والقرى المعلقة والهواء النقي. هذا الوجه من اليمن لا يزال قادرا على أن يهبنا شيئا من الطمأنينة، ولو لموسم عابر.
*نقلا عن صحيفة الشرق القطرية